222
222
روضة الصائم

التسامح

24 أبريل 2021
24 أبريل 2021

عبدالله بن خلف الهنائي -

لا شك أن الإسلام اعتنى بالتسامح وجعله من أسسه ومرتكزاته؛ لأنه دين الإنسانية جميعا وهو حريص على ربط العلاقات بين البشر باختلاف أفكارهم وثقافاتهم وألوانهم وجنسهم، فلقد دعا الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يكون عفوا في تعامله مع مجتمعه ومع مخالفيه يقول تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، بل إن الإسلام في بداية دعوته قام بالصفح والعفو حتى عن أذى المشركين ليبين صدق هذه الدعوة ومكانتها، فالله تعالى أمر نبيه أن يعفو ويصفح عن المشركين، يقول تعالى: (... فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وبعدها بقي العفو والصفح مزية المؤمنين لإخوانهم، ولمن لم يقاتلهم من الديانات الأخرى، والذين أمر الله تعالى بالبرّ بهم والإحسان إليهم، وقد ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا مَن ظَلم مُعاهِداً أو انتَقصَهُ أو كلَّفَهُ فوقَ طاقَتِه أو أخَذ منهُ شيئاً بِغيرِ طِيبِ نَفسِ فأنا حَجِيجُهُ يوم القيامةِ)، فكيف إذا كان هذا التسامح بين المسلمين أنفسهم خصوصا بعد افتراقهم إلى سياسات ودول ومذاهب مختلفة والذي أصبح عليهم أكيدا أن يتسامحوا فيما بينهم وينشروا المودة والسلام في ربوع العالم الإسلامي، يقول الشيخ علي يحيى معمر: (وأنا على يقين في نفسي أنَّ المذهبيَّة في الأمَّة الإسلاميَّة لا تتحطَّم بالقوَّة، ولا تتحطَّم بالحجَّة، ولا تتحطَّم بالقانون. فإنَّ هذه الوسائل لا تزيدها إلاَّ شدَّة في التعصُّب، وقوَّة في ردِّ الفعل، وإنَّما تتحطَّم المذهبية بالمعرفة والتعارف والاعتراف.

فبالمعرفة يفهم كلُّ واحد ما يتمسَّك به الآخرون، ولماذا يتمسَّكون به.

وبالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعيِّ للعبادات.

وبالاعتراف يتقبَّل كلُّ واحد منهم مسلك الآخر برضى، ويعطيه مثل الحقِّ الذي يعطيه لنفسه، اجتهد فأصاب أو اجتهد فأخطأ.

وفي ظلِّ الأخوَّة والتسامح تغيب التحديات، إن الشيخ علي يحيى معمر يضع هنا أسّ العلاقة بين المسلمين، و يصوغ لنا قاعدة لو عمل بها الجميع لما بقي بيننا أهل الحقد والعصبية وهي قاعدة ( المعرفة والتعارف والاعتراف)، فيجب على الأمة أن تتفق فيما اتفقت فيه وتعذر بعضها بعض فيما اختلفت فيه.

هذا، ولقد علّم القرآن الكريم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أسلوب الحوار والدعوة بالتي هي أحسن فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وبطبيعة الحال الخطاب هو للأمة جميعا في دعوتها وحوارها، وقد بين سماحة الشيخ أحمد الخليلي في كلامه عن هذه الآية بأن هذه الدعوة في مقام دعوة الكفرة غير المسلمين إلى ملة الإسلام، يجب أن تكون بالحكمة وبالموعظة الحسنة، وأن تكون المجادلة ما يحقق الغاية المطلوبة.

وهناك آية أخرى تبين لنا سبل التسامح بين الناس وهي قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، هذه الآية توضح أسلوب التعامل مع الناس سواء كان بالقول أو بالفعل، وفيها يفرّق الله تعالى بين السيئة والحسنة ويأمر بالتي هي أحسن وهي (الحسنة) ونتيجة هذا الدفع ينتشر الود والتسامح ولو ممن تراه عدوا لك، وجاء في « تفسير الهواري» في تفسير هذه الآية (الحسنة في هذا الموضع العفو والصفح، والسيئة ما يكون بين الناس من الشتم والبغضاء والعداوة قوله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } يقول: ادفع بالعفو والصفح القول القبيح والأذى) فتعامل الناس بالعفو والصفح عما يلاقونه من أذى من عند غيرهم هو كمال التسامح؛ لأن النتيجة حتمية، كما بينها الله تعالى أن العدو يصير وليا حميما.